top of page

ما الذي حدث؟ (الفصل الرابع)


Audio cover

الله اله خير كما تريده ان يكون, وكل ما صنعه كان حسنا.

 

اما عالمنا هذا فهو شرير ملآن الما ومعاناة وموتا, وما يجعل الامر اكثر تعقيدا هو ان الكثير من الابرياء قد قُتِلوا على مر التاريخ بإسم اله الخير هذا. تستطيع القول بكل ثقة ان الحروب التي خيضت باسم الدين اكثر من تلك التي أُعلنت بسبب الطمع. وفوق ذلك لا يتمتع الربانيون من الناس باي راحة او سلاما, اذ يجتهد المسلمون لارضاء اله لا يمكن ارضاؤه, بينما يعملوا طالبين ان يحافظوا على سمعتهم كأمة مسالمة ذات خلق وسط اعتى المحاولات لتشويه سمعة الدين الاسلامي. ويبشر المسيحيون بالخلق والسلام والمحبة فيما يمتليء عالمهم بالانحلال والعنف والكراهية, اما اليهود فان تاريخهم يمتليء بصراعهم من اجل البقاء, وحتى الملحدين ومن لا يهتم بوجود الله من عدمه فيكتنفهم البؤس ولو تظاهروا بغير ذلك.

 

كيف وصلنا الى هذا البؤس من ذلك العالم الحسن؟

 

وضِعت على مر التاريخ الكثير من النظريات وابتدعت الفلسفات وظهرت الاديان  وما الى ذلك من المحاولات التي ترمي الى اكتشاف ما قد حدث, كون ذلك جزءا هاما من رحلة البشر الى السعادة, فما ان تكتشف المصيبة حتى يسهل ايجاد الحل.

 

وكما راينا من ذي قبل, يقدم الكتاب المقدس نفسه بقوة كاحدى تلك المحاولات التي تستحق ان نبحث فيها عن اجوبة, لا بل ان ما يحتويه الكتاب المقدس ليس اكثر معقولية من ما سواه بحسب, بل ان له ما يدعمه من ادلة على كونه كلام الله الذي اوحي من ما وراء كوننا هذا اكثر من اي بديل اخر.

 

انما الالم واقع حال كما راينا في الفصل السابق, ولو ان الله يستخدمه لهدف سامٍ ليجلب السعادة في نهاية المطاف, والالم ليس وهما كما يدّعي البعض, على ان الكتاب المقدس يقول انه مؤقتا.

 

وفيما يلي ما يطرحه الكتاب المقدس من تفسير في اصل الالم:

 

خلق الله السموات والارض. قد تكون عرفت ذلك مسبقا من القرآن.

 

اذ ان الله قال للكون كن, فكانت السموات والبحر والارض والاشجار والحيوانات وما سواها في ستة ايام, ثم عمل ادم من تراب الارض. ثم ان الله خلق حواء من ضلع ادم, قبل ان يستريح في اليوم السابع, الذي هو السبت.

 

وهنا قد يعترض المعترض او حتى يهان: كيف يستريح الله؟ هل لانه تعِب؟ هذا كفر ولن اقرا الكتاب المقدس بعد الان.

 

اولا, اعط الكتاب فرصة وانظر اين يذهب السرد ولتحكم بنفسك. ثانيا, كلا لم يتعب الله, فهو لا يكل ولا يتعب, يقول الكتاب المقدس ذلك غير مرة. استمع الى ما قاله اشعياء في نفس الكتاب:

 

"أَمَا عَرَفْتَ أَمْ لَمْ تَسْمَعْ؟ إِلَهُ ٱلدَّهْرِ ٱلرَّبُّ خَالِقُ أَطْرَافِ ٱلْأَرْضِ لَا يَكِلُّ وَلَا يَعْيَا. لَيْسَ عَنْ فَهْمِهِ فَحْصٌ. يُعْطِي ٱلْمُعْيِيَ قُدْرَةً، وَلِعَدِيمِ ٱلْقُوَّةِ يُكَثِّرُ شِدَّةً. اَلْغِلْمَانُ يُعْيُونَ وَيَتْعَبُونَ، وَٱلْفِتْيَانُ يَتَعَثَّرُونَ تَعَثُّرًا. وَأَمَّا مُنْتَظِرُو ٱلرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَٱلنُّسُورِ. يَرْكُضُونَ وَلَا يَتْعَبُونَ. يَمْشُونَ وَلَا يُعْيُونَ." اشعياء 28:40-31.

 

ارأيت الان؟ لا تتسرع بالحكم على نص الكتاب المقدس قبل ان تقرأ سياقه, فالله لا يتعب, انما هو انهى عمله في ستة ايام فحسب.

 

اتعلم ما يطلق العلم الحديث على ذلك؟ قانون حفظ الكتلة, والذي يقول ان مجموع المادة والطاقة في كوننا هذا ثابت لا يتغير, ذلك لان الله لم يخلق اي شيء بعد ان "استراح" في اليوم السابع.

 

وثالثا, لا يقول الكتاب لك ما يعقله عقلك البشري وما عرفته مسبقا, بل هو يقول لك ما قد حدث. تذكّر ان القرآن يشترك وذلك في نفس المبدأ. قد يقول القائل "حدّث العاقل بما لا يُعقل, فان عقِل فلا عَقل له," ولكن الكتب تقول لك ما لا يستوعبه منطقنا, مثال ذلك انفلاق البحر وسفينة نوح وولادة المسيح من عذراء وخليقة الكون في ستة ايام—كل ذلك في القرآن, ولا اشككه ولا يشككه احد. لماذا؟ لانك عندما تؤمن بكتابٍ بالبرهان المعقول فانك تؤمن بما فيه وان لم يكن معقولا.

 

ورابعا, فان سفر التكوين (الذي ندرسه حاليا والذي يتحدث عن تكوين الكون اي خليقته) هو احد اسفار التوراة, اي الاسفار الخمسة الاولى في الكتاب المقدس, والذي اوحي الى موسى من الله ان يكتب معظمها. كتب موسى الى بني اسرائيل الذين كانوا في حينه يتعلمون مبدأً جديدا, الا وهو عطلة نهاية الاسبوع. اذ عمل بني اسرائيل كعبيد في ارض مصر سبعة ايام في الاسبوع, وبعد نجاتهم من فرعون امرهم الله ان يستريحوا في اليوم السابع وهو السبت, ويستخدم الله هنا خلق الكون كوسيلة ايضاح, وكأنه يقول لاسرائيل ان يعملوا ستة ايام ثم يستريحوا كما عملت انا في ستة ايام ثم استرحت.

 

ومن هنا نرجع الى قصتنا, اذ خلق الله ادم وحواء محبة بهم, ولم يقول لهم "كن" كما هي الحال في باقي خليقته, بل عمِلهم من التراب, واعطاهم ان يتسلطوا على باقي مخلوقاته.

 

وكجزء من محبة الله تلك, اعطاهم وايانا حرية الاختيار, وقال لهم ان يستخدموها بحكمة.

 

وهنا تكمن المعضلة: فالله اعطانا حرية الاختيار لانه اله خيرٍ على الرغم من ان تلك الحرية عرضة لاساءة الاستخدام, عالمين ان اساءتها تجلب عواقب وخيمة. وباختصار, فان الله حسن جدا الى درجة ان ما هو شرير قد حدث.

 

واساء ادم وحواء استخدام حرية الاختيار لديهما عندما عصوا وصية الله لهم ان لا ياكلوا من شجرة معرفة الخير والشر.

 

اذ ان الشيطان, متنكرا كحيّة, اغواهم ليكونوا فجأة مشتهين الشجرة التي حرم الله اكثر من باقي اشجار جنة عدن في ذلك العالم الكامل الذي احسن الله صنعه, يوم لم يكن هناك موت ولا الم ولا معاناة ولا اسى ولا شيء الا السعادة.

 

عصى ادم وحواء اولا امر الله, ثم فقدوا براءتهم كما فقدت انت براءتك عندما كبِرت من طفولتك الى بلوغك.

 

ولذلك اصدر الله حكمه العادل: الفصل عن شِركته والموت, اي الانفصال عن التواصل مباشرة مع الله وعن حضوره الحسن والخيّر والطاهر المقدس, والاعدام بالموت, والذي كان خطة عبقرية من الله حتى لا تعيش الخطيّة الى الابد.

 

هلا تأملت في ذلك؟ ان عشنا الى الابد ولم نمت, لا يمكن لله ان يخلق عالما حسنا طاهرا دون خطيّة!

 

قضت دينونة الله العادلة علينا معشر البشر ان نعيش في كَلّ وتعب, الم وبؤس, حتى الموت, وكان على الكون ان يدان بسببنا ايضا, وحكم الله ان نفقد العالم الكامل الحُسن الذي وجِد ذات يوم, وان نتذكر في كل حين اننا لسنا هناك بعد, على الاقل الى ان نموت, وهذه حقيقة الشر وواقع معاناته التي تملأ عالمنا.

 

تلك هي الاخبار السيئة.

 

اما الاخبار السارة, فهي ان الله كان يعمل منذ البدء على حل لكل مصائبنا تلك, ليستعيد علاقتنا به وليرفع من وسطنا كل الم وليقضي على الموت وليبدل بؤسنا بسعادة دائمة بريئة.

 

تُسمى تلك الاخبار السارة باليونانية (ايوانجليون) وهي مصدر الكلمة العربية (انجيل). وتسمى بالانجليزية Good spell او Gospel.

 

ونصت الاخبار السارة تلك على ان الله كان يعدّ من سيدمّر عمل الحية تلك, اي الشيطان, واطلق الله عليه "نسل المرأة," وقال للحية في نفس الاصحاح الذي نقل لنا الاخبار السيئة "وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ ٱلْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ," تكوين 15:3.

 

فالله كان يعمل منذ البدء على ايجاد علاج لما فعلته البشرية بنفسها لمّا اساءت حرية الاختيار, لا بل ان الكتاب المقدس يقول في موضع اخر ان الله وبسبق علمه كان يدبّر تلك الخطة قبل تأسيس العالم, فالله يحب البشر الى الحد الذي كان يعمل فيه على ايجاد الحل حتى قبل ان تحصل المشكلة.

 

وكَمِن الحل بموجب وعده آنف الذكر بما سيعمله نسل المرأة, اي من سيولد من امرأة فحسب دون رجل.

 

الا ان النصر على ابليس لم يكن ليُعلن قبل بضعة الوف من السنين, حين دخل المشهد نسل المرأة هذا. وقد لا يبدو ذلك عادلا لكل من عاش قبله ولم يتوفر لديه الحل الالهي لابتلائنا, فاولئك الذين عاصروا نسل المرأة والذين جاؤوا بعده قد توفرت لديهم تلك السعادة الدائمةوالبريئة التي تأتي مع النجاة من شرور العالم المخيفة, ولكن ماذا عن اولئك الذين عاشوا قبله؟ ماذا حلّ باولئك الذين عاشوا قبل اعلان النصر؟

 

وتدخلت عدالة الله ثانية لتبتكر الحل, لا بل ان هذا الحل شامل لكل من عاش قبل واثناء وبعد مجيء نسل المرأة, فالله اعطانا قاعدة لنجاتنا او خلاصنا, وتلك القاعدة ثابتة رغم تنوع القرون واختلاف تدابير الله ومراحل تاريخ البشرية.

 

وتتلخص تلك القاعدة, بكل بساطة, بما يلي: يريد الله ان تعطيه ما يريد هو, ليعطيك ما تريد انت.

 

هل تتذكر ما يحبه الله وما يريده دوما من دراستك للفصل السابق من هذا الكتاب؟

 

الايمان.

 

يقول لك الله "اعطني ايمانك, اعطيك سعادة دائمة بريئة, وحياة ابدية."

 

ويقول النص الكتابي لتلك القاعدة ان "ٱلْبَارُّ بِإِيمَانِهِ يَحْيَا," حبقوق 4:2.

 

فان كان لديك ايمانا ووثقت بالله وبما يقوله في اصلك وفي ما عليك ان تفعله و في ما ستؤول اليه, وسلكت على وفق ذلك الايمان, في اي مرحلة من مراحل التاريخ, فسوف تعيش.

 

وهذا هو غاية ما تريده: العيش. لا المال, ولا شهادة دراسية اخرى, ولا وظيفة افضل ولا ان تتزوج بمن تحب ولا ان تتطلق ممن لا تحب, ولا ما يعِدُه هذا العالم من جاه, ولا حتى الحياة في هذه الدنيا, بل انك تريد حياة الى الابد, ولك ان تثق في انك اذا ما اظهرت ايمانافسيكون لك حياة.

 

ولكن كيف يمكنك ان تُظهر ايمانك اليوم, وكيف اظهر الناس ايمانهم على مر التاريخ؟

 

وماذا كانت خطة الله التي اراد فيها اعلان النصر على الشر وتخليصنا من المعاناة واستبدالها بالفرح والبهجة؟

 

ومن عساه ان يكون نسل المرأة هذا؟


(الدرس التالي مأخوذ من كتاب "الطريق إلى سعادتك" بإذن من المؤلف، وسام يوسف.)

منشورات ذات صلة

اشترك لتلقي أحدث الفيديوهات، البودكاست، والمقالات

شكرا على إرسال

  • Facebook
  • YouTube

©2022 by Logos Answers.

bottom of page