هل انت سعيد؟ ام هل لا تزال تبحث عن سعادتك؟
لعلك تكون مسلما متدينا تجتهد لكي تنال سعادتك من رضا الله, فاذا كان الله راضيا عنك عندئذ ستعلم انك ستكون سعيدا ولو بعد حين. لعلك وثقت بصالح عملك وخالص عبادتك وسعيك لما هو حقّ وعدل, ناظرا حواليك لتتشجع برؤيتك لاهل بيتك وهم يسيرون على نفس نهجك, وتتقوى بشيخ يثني على تقواك ويحثك على عمل المزيد وينصحك اذا ما شذذت عما يرضي الله. ذلك لان الله قال انك اذا اجتهدت في صلاتك وصيامك واجتنبت خبائث الاطعمة وسرت بحياة ملؤها الخلق والتقوى, فسيزداد نصيبك في العيش في جنة الخلد عندما تحين ساعتك لتحظى فيها بالفرح وتنجو من الالم. ورغم انك لا تعلم ان كنت ستنال رحمة الله تلك ام لا فان محبتك لله تمنعك من التشكيك في ذلك وتملؤك عوضا عن ذلك برجائك رحمته وثقتك بسبله التي لا تدركها الالباب, والتي من خلالها سيشفع لك محمدا وعملك الصالح.
وقد تكون من التدين بمكان حتى ان مجرد السؤال عن سعادتك مع الله قد اهانك الان.
او قد لا تكون منتظما بصلاتك ملتزما بصيامك رغم انك فخور باسلامك مستمرا في البحث عن سعادتك في مكان اخر غير الدين, ربما تملأ بالك ذكرى ابتعادك عن التدين بسبب ما حدث لك او لعزيز عليك بالامس القريب او البعيد, او لان والديك قد اجبراك على الصلاة وحفظ القرآن وتلاوته لما كنت صغيرا. قد لا تتفق مع من ينادي ان الاسلام هو الحل لدى رؤيتك للفوضى التي تعم العالم الاسلامي, وقد تتابع الاحزاب الاسلامية لترى فيهم النفاق والطمع والغرور, واسوأ من ذلك فقد تكون من بين الالوف المؤلفة الذين فقدوا عزيزا لقلوبهم في هجوم ارهابي او لعلك تكون نفسك قد جُرحت في هجمة اعلنت مليشيا اسلامية مسؤوليتها عنها, كل ذلك اوحى اليك ان سعادتك لا تتواجد مع الله بل بعيدا عنه, ذلك لانه اله الحرب والعنف والحماقة والكراهية.
ان كنت مسلما متدينا ولم تهان بتلك الصورة بعد, فسيقع على عاتقك برهان ان الله هو اله سلام لا حرب لجارك غير المسلم, وانه اله المغفرة لا الانتقام والعقل لا الحماقة, مستشهدا بنصوص من القرآن والحديث والسيرة لتثبت له ان الاسلام هو دين السلام والمحبة, ولكن استعد لسماع جارك وهو يقتبس نصوصا قرآنية اخرى يتحجج فيها بأن لا محبة في الاسلام ولا سلام, وعليك ان تعرف مَن مِن تلك النصوص ينطبق عليك ومن منها لا ينطبق, وعليك ان تاتي بحجة اقوى من حجج الذين يسعون لتشويه صورة الاسلام بشرّ عملهم. والاصعب من هذا هو ان عليك ان تثبت لنفسك ان الاسلام الذي سلكت فيه طوال حياتك هو الدين عند الله, وانه دين حقّ سواء كان خيرا ام شرا. فحتى ذلك الحين لن يتفق معك جارك غير المسلم ولا جارك غير المتدين باسلامه. تذكّر ان هناك الها واحدا فوقك وفوقهم وان له طريقا واحدا.
مهلا: هل هناك اله؟
تراك قد امضيت عمرك وبذلت جهدك وانفقت مواردك طالبا وجه الله, ولكن سواء كنت مسلما ام غير مسلم فلتواجه الامر: انك لم تر الله قط, فالله لا تراه العيون في هذه الحياة الدنيا.
لذلك وقبل ان نغور اعمق في بحثنا, لنوضح ما نسعى اليه: اولا, هل انا سعيد؟ هل اشعر بالرضا والفرح؟ ثانيا, هل هناك حقا اله يستحق ان ابحث عن سعادتي لديه؟
لو فحصنا السؤال الاول لتذكرنا انه ليس ممن هو كامل السعادة, فلا يوجد من يملك ما يكفي ولا من يحبه الجميع ولا من قادته الحياة الى ان يتقاعد في مكان احلامه, وان سالت اي طبيب فسيجيبك انه ليس ممن يتمتع بصحة تامة.
هل سيسعدك الحصول على مليون دولار؟ بالتاكيد! هل قابلت من هو اغنى منك بمليون دولار؟ هل سألته ان كان اكثر سعادة منك؟ هل عرفت ما اصبو اليه هنا؟
ام هل سيسعدك امتلاك بيت اكبر من بيتك الحالي؟ او سيارة اسرع؟ او هاتفا احدث؟ او سماع اغنية اعذب؟ او تناول اكلة اشهى؟ كل ذلك يبدو جيدا, ولكن كم من الوقت سيجعلك اكثر سعادة قبل ان يفتُر اهتمامك؟
هل سيسعدك الزواج؟ ربما, ولكن ليس طوال الوقت, ان سألت المتزوجين.
هل سيسعدك انجاب الاطفال؟ بالطبع! الى ان تقرا ما تكتبه الامهات حديثات العهد على مواقع التواصل الاجتماعي منتصف كل ليلة.
هل ستسعدك لذة الجنس؟ يحلم الكثيرون ان ممارسته هو احلى ما في الحياة حتى يجربوه في الواقع.
هل ستسعدك الخمور والمخدرات؟
انك تعيش في عالم يتنافس فيه الكثير واعدا اياك بالشعور بالسعادة, الا انه ليس ثمة من يجلب لك سعادة دائمة بريئة, وهذا يقودنا الى سؤالنا الثاني: هل من المعقول ان ابحث عن سعادتي مع الله؟
وهنا يبدا بحثك عن الله, فانت تريد من الله ان يكون موجودا, ولكنك تعلم ان رغبتك هذه لا تجعل منه موجودا ان لم يكن الله موجودا مسبقا.
وبغض النظر عن بحثك, فالله موجود ببراهين اكثر موضوعية.
يقول العلم ان الله موجود. قد لا يدعوه العلماء (الله), الا انهم يتحدثون عنه ملء كتبهم. هناك نظريات تشكك في وجود الله (مثل نظرية الانفجار الكبير ونظرية التطور, الخ), الا ان قوانين العلم تخبرنا ان كوننا هذا لم يكن سرمدي الوجود, وان حجم كتلته وطاقته كان عدما ذات يوم, ولو كان كوننا سرمديا لكانت حرارة كل ما فيه من شمس ونجوم وكواكب واحدة. وبالمثل كلما ازداد المرء علما بالطب كلما تيقن بان وراءنا خالقا ذكيا, وكلما تقدمنا بعلم الفلك راينا ان لكوننا هذا مصمما بارعا.
وهنا يبدا بحثنا عن الله في القرآن.
وها انت تبدا بقراءة القرآن عالما بان الله يحب العبد الذي يبحث في كتابه, غير مهتما بمن يدعي الاسلام من شرار الناس والاسلام منهم براء, اولئك الذين سلكوا في المعصية وقتلوا الابرياء, فانت لست منهم والله يعلم بذات صدرك. وحين تنظر الى من هو غير مسلم, نصراني على سبيل المثال, فانك ترى انحلالهم وكراهيتهم وعنصريهم وتفكك قيم عوائلهم ولامعقولية الههم الثالوثي وعجز ربهم الحمل وموته, وترى كتابهم الذي يسيء الى اتقياء الله الذين لطالما وقّرتهم, وتقرر ان تطيع الله بحسب ما يامرك به القرآن. وتقرا القرآن وتجد انه يوصيك بالطاعة وبالصلاة والصيام وايتاء الصدقات, وتحسن في كل ذلك, ويامرك باتباع المعروف واتقاء الله في اهل بيتك وبالعدل وبجهاد من لا يدين دين الحق من المشركين واهل الكتاب والمنافقين اسوة بالسلف الصالح الذين اعلوا راية الله ونشروا رحمته في عالم اكتنفه الظلم, الا ان هذا ليس من واجبك.
ام لعله يكون واجبا؟
الم يامرك الله في كتابه بكل ما جاء؟
ام لعله لم يقل ايا من ذلك؟
هل كلمك الله مباشرة, ام هل رايت القرآن نازلا من لوحه المحفوظ في السماء؟
قد يكون ذلك افتراءا, ولكنك كلما اقتبست القرآن قلت "قال تعالى" بدلا من "قال القرآن," غير انك ترى القرآن ولا ترى الله. ولعلك اطمأننت ثقة ان القرآن هو من عند الله لان القرآن يقول انه من الله, وما من كتاب يدعي انه من الله ان لم يكن بالحق من الله (ما خلا ما يملأ العالم هذا اليوم دون القرآن, ولكن لا يحيرنّك ما يقرأه غيرك من الكتب فانت لديك ما يكفي ليشغل بالك), فمن ذا الذي يفتري على الله الكذب قائلا "اوحي الي" ولم يوح له شيء؟
ولكن ماذا عن كل اولئك الذين قوى ايمانهم بوحي القرآن؟
وماذا عن لسانه العربي الفصيح, وتلاوته التي سحرت المليارات من المسلمين على مر الازمنة؟ وماذا عن قوة اعلانه وعجيب اياته؟ وماذا عن جمال خطه وطهارة نسخه؟ كل ذا خلق صورة وصوتا همسا في قلوب الكثيرين ان القرآن هو من عند الله.
هل الله حقا موجود؟ نعم, او انك على الاقل تريده ان يكون كذلك, ليراك وليسمعك وليهتم بك وليعلم من اين اتيت واين انت واين ستذهب, وليكون الها مستحقا ان تبحث لديه عن سعادة دائمة وبريئة, وليكون الها ملؤه الخير خاليا من الشر, لا يورث المشاكل بل يورث الحلول, لا كارثة بل ملجأً من الكوارث.
ولكن من ذا الذي يعلم ماهية الله وكيف تتيقن بما يكفي لكي تشارك ذلك مع من لا يؤمن بالله او من يسيء الظن به؟
(الدرس التالي مأخوذ من كتاب "الطريق إلى سعادتك" بإذن من المؤلف، وسام يوسف.)